
رؤية نقدية:-
صبحي شحاته
لعلنا نلحظ أن العالم المنفتح في القصة، ليس هو عالم الحياة الواقعية المعتاد، وليس هو الواقع المعيش، وإنما هو جماع للواقع كله مكثفًا، ومضغوطا، تبدو فيه الحوادث ليست بذاتها، ولذاتها أتت، وإنما لما تحمله من معان ورائها، هدفها حصر، وترميز الواقع كله، في هذه الحوادث المتفرقة، المتباينة، والتي لا رابط بينها عضوي، وإنما رابطها المكان، فكأنما الواقع تجمع لحوادث، وأفعال، غير منسجمة معًا. ومن ثم غير معقولة، وأقرب إلى أن تكون حلمًا، أو مسرحا، أو سينما. ليس من وجهة نظر الواقفين تحت المظلة فحسب، وإنما من وجهة عرض الحوادث ذاتها. فاللص يتحول إلي راقص يصفق له الممسكون به، وقد كفوا عن ضربه، وإهانته، بوصفهم يمثلون العدالة التطوعية.
بينما العدالة الرسمية لا مبالية، وغير فاعلة، تراقب من بعيد دون أن تفعل شيئًا.
كذلك العربتان اللتان تصادمتا دون ما داع للتصادم، غير السرعة واللهاث المحموم في التسابق، يمثلان العصر الحديث الآلي، وبجوارهما تدخل قافلة من الجمال، تمثل الزمن القديم بعلاقاته القبلّية، لما قبل الحداثة، وكأن الواقع يحتمل الجمع بين المتناقضات دونما مشاكل.
واقع يعرض المتنافرات فيه، واقع هو خليط من القديم والجديد، ثم يأتي العمال ويبنون مقبرة، وبجوارها سرير، ثم يسحبون جثث ركاب السيارتين المتصادمتين، المحطمتين، المحترقتين، ويضعونهما فوق السرير. فكأن هذا يشير إلي أن الموت العبثي يكرّم في أسرة مريحة، بينما الحب الذي يمثلة المرأة والرجل، يقبر ويدفن داخل المقبرة، ويظل أصحاب المظلة في مكانهم تحت الطوفان، ينظرون إلي هذا كله دون أن يكونوا قادرين علي معرفة إن كان حقيقيًا، أم زائفًا، أو أنه خليط من هذا وذاك..
لقد بدأت القصة مباشرة بالحدث، لم تقدم له، ولم تمهد، وتواصلت الأحداث فيه بوتيرة متسارعة، قلقة، متسقة، من إيقاع نزول المطر والسحب الداكنة كأنها ليل هابط..
إن هذا المنحي الرمزي، الحلمي للقصة، واصلة الأديب الكبير(نجيب محفوظ) في أواخر عمره في كتابة أحلام فترة النقاهة، وجعل منه جنسًا أدبيًا. ما يعني أن قصة تحت المظلة، أعتمدت علي حلم الكاتب، أي أن الكاتب حلم بها فعلاً، ثم كتبها بعد تهذيبها وتشذيبها، وأيضًا، وعي الكاتب بالاتجاه الرمزي في الكتابة، حيث نلمح في قصص أخري هذا الوعي الرمزي.
النص النموذج الباهر، لوضوح، هو روايته أولاد حارتنا، حيث جاءت أحداثها رمزًا للعالم الذي قدمته الأديان السماوية، وهذا يجعلنا نقول: إن محفوظًا، لم يكن كاتبًا واقعيًا قحا، يحاكي الواقع كما هو، وإنما كان مزيجًا من الواقعية الرمزية العميقة..
تحت المظلة، نص استثنائي راق، يشعر معه القارئ، أنه مكتوب الآن، وهنا، بل ودائمًا؛ حيث أننا مازلنا نعيش نفس العالم الذي تختلط فيه طرق الحياة، القديم البائد، والجديد الحداثي، وما بعد الحداثي. المعقول واللامعقول، كأننا لا نعيش عالمًا واقعيًا معقولاً وإنما مسرحًا أو سينما أوحلمًا.. وبعد.. تحياتي للمشروع والقائمين.
صبحي شحاته
لعلنا نلحظ أن العالم المنفتح في القصة، ليس هو عالم الحياة الواقعية المعتاد، وليس هو الواقع المعيش، وإنما هو جماع للواقع كله مكثفًا، ومضغوطا، تبدو فيه الحوادث ليست بذاتها، ولذاتها أتت، وإنما لما تحمله من معان ورائها، هدفها حصر، وترميز الواقع كله، في هذه الحوادث المتفرقة، المتباينة، والتي لا رابط بينها عضوي، وإنما رابطها المكان، فكأنما الواقع تجمع لحوادث، وأفعال، غير منسجمة معًا. ومن ثم غير معقولة، وأقرب إلى أن تكون حلمًا، أو مسرحا، أو سينما. ليس من وجهة نظر الواقفين تحت المظلة فحسب، وإنما من وجهة عرض الحوادث ذاتها. فاللص يتحول إلي راقص يصفق له الممسكون به، وقد كفوا عن ضربه، وإهانته، بوصفهم يمثلون العدالة التطوعية.
بينما العدالة الرسمية لا مبالية، وغير فاعلة، تراقب من بعيد دون أن تفعل شيئًا.
كذلك العربتان اللتان تصادمتا دون ما داع للتصادم، غير السرعة واللهاث المحموم في التسابق، يمثلان العصر الحديث الآلي، وبجوارهما تدخل قافلة من الجمال، تمثل الزمن القديم بعلاقاته القبلّية، لما قبل الحداثة، وكأن الواقع يحتمل الجمع بين المتناقضات دونما مشاكل.
واقع يعرض المتنافرات فيه، واقع هو خليط من القديم والجديد، ثم يأتي العمال ويبنون مقبرة، وبجوارها سرير، ثم يسحبون جثث ركاب السيارتين المتصادمتين، المحطمتين، المحترقتين، ويضعونهما فوق السرير. فكأن هذا يشير إلي أن الموت العبثي يكرّم في أسرة مريحة، بينما الحب الذي يمثلة المرأة والرجل، يقبر ويدفن داخل المقبرة، ويظل أصحاب المظلة في مكانهم تحت الطوفان، ينظرون إلي هذا كله دون أن يكونوا قادرين علي معرفة إن كان حقيقيًا، أم زائفًا، أو أنه خليط من هذا وذاك..
لقد بدأت القصة مباشرة بالحدث، لم تقدم له، ولم تمهد، وتواصلت الأحداث فيه بوتيرة متسارعة، قلقة، متسقة، من إيقاع نزول المطر والسحب الداكنة كأنها ليل هابط..
إن هذا المنحي الرمزي، الحلمي للقصة، واصلة الأديب الكبير(نجيب محفوظ) في أواخر عمره في كتابة أحلام فترة النقاهة، وجعل منه جنسًا أدبيًا. ما يعني أن قصة تحت المظلة، أعتمدت علي حلم الكاتب، أي أن الكاتب حلم بها فعلاً، ثم كتبها بعد تهذيبها وتشذيبها، وأيضًا، وعي الكاتب بالاتجاه الرمزي في الكتابة، حيث نلمح في قصص أخري هذا الوعي الرمزي.
النص النموذج الباهر، لوضوح، هو روايته أولاد حارتنا، حيث جاءت أحداثها رمزًا للعالم الذي قدمته الأديان السماوية، وهذا يجعلنا نقول: إن محفوظًا، لم يكن كاتبًا واقعيًا قحا، يحاكي الواقع كما هو، وإنما كان مزيجًا من الواقعية الرمزية العميقة..
تحت المظلة، نص استثنائي راق، يشعر معه القارئ، أنه مكتوب الآن، وهنا، بل ودائمًا؛ حيث أننا مازلنا نعيش نفس العالم الذي تختلط فيه طرق الحياة، القديم البائد، والجديد الحداثي، وما بعد الحداثي. المعقول واللامعقول، كأننا لا نعيش عالمًا واقعيًا معقولاً وإنما مسرحًا أو سينما أوحلمًا.. وبعد.. تحياتي للمشروع والقائمين.
تعليقات
إرسال تعليق